17‏/12‏/2009

;`';_ فاجعة الطف ج1 _;`';




عظّم الله أجورنا وأجوركم بمصابنا بسيدنا الحسين (عليه السلام)، وجعلنا الله من الطالبين بثأره مع ولده الإمام المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرجه.
إن هذا اليوم أعظم يوم في الإسلام، وأكبر يوم تاريخي في العالم، لقد وقعت في مثل هذا اليوم الفاجعة العظمى والمصيبة الكبرى التي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً ولا نظيراً واقعة دامية، وكارثة مؤلمة حلّت بالإسلام والمسلمين، فأبكت العيون على مرِّ القرون والدهور، وأحرقت القلوب بنار الأسى والحزن.
فهذا اليوم تتجدّد فيه أحزان أهل بيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وأحزان كلّ من يحمل لهم الولاء والمودّة.
والعجب كلّ العجب من بعض المسلمين الذين يجعلون هذا اليوم يوم عيد وسرور، وهم في غفلة عمّا حدث في هذا اليوم وما نزل بسيّد شباب أهل الجنة وسبط رسول الله وريحانته الإمام الشهيد أبي عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) من المصائب والنوائب التي أشفقن منها الجبال وأبين أن يحملنها، وهذه الفجائع نزلت بآل رسول الله الطيّبين على يد بني أميّة وأتباعهم.
فقد مات معاوية بن أبي سفيان (لعنه الله) في النصف من رجب سنة 59 أو 60 من الهجرة، واستولى ابنه الطاغية يزيد (لعنه الله) على مسند الخلافة، وادّعى أنه خليفة رسول الله والقائم مقامه؛ مع العلم أنه لم تكن في (يزيد) مؤهّلات الخلافة، من نسبه المهتوك وحسبه الدنيء، وموبقاته التي كان يرتكبها من الخمور والفجور واللعب بالكلاب والقردة، والاستهتار بجميع معنى الكلمة.
فاستنكف المسلمون أن يدخلوا تحت طاعة رجل لا يؤمن بالله ولا بالرسول، ويحمل عقيدة الإلحاد والزندقة كما صرّح بذلك يوم قال:
لَعِبــــــَتْ هـــاشمُ بـــــالملك فلا         خَـــبَر جــــاء ولا وحـــي نـزلْ


السلام عليك يا أبا عبدالله ولعنة الله على ظالميك، قال الإمام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه ) : " لأبكينك بدل الدموع دما " وفي قصيدة ابن العرندس المنظورة     " ..أيقتل ظمآنا حسينا بكربلا وفي كل عضوا من أنامله بحر .. " 
 في يوم العاشر من محرم قطعوا قلب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقلب أمه وأبيه صلوات الله عليهم يوم أشعل في قلوبهم وقلوبنا جمرة لا تنطفئ إلا بثأر إمام زماننا الحجة (عجل الله تعالى فرجه) وان شاء الله تكون قضية شفيعنا وإمامنا مفصلة قال الإمام الحسن (عليه السلام): " لا يوم كيومك يا أبا عبدالله " 

 خروج الإمام الحسين (عليه السلام) من المدينة : كَتب يزيد كتاباً إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان (وإلى المدينة) يُخبره بموت معاوية، ويأمره بأخذ البيعة من هل المدينة عامّة ومن الحسين بن علي خاصّة.
فأرسل الوليد إلى الإمام الحسين وقرأ عليه كتاب يزيد، فقال الحسين: أيها الوليد: إنّك تعلم انا أهلُ بيتٍ بنا فَتَح الله وبنا يَختم، ومِثْلي لا يبايع ليزيد شارب الخمور وراكب الفجور وقاتل النفس المحترمة.
وخرج الإمام الحسين من المدينة خائفاً يترقّب وقصد نحو مكّة؛ فجعل أهل العراق يكاتبونه ويراسلونه ويطلبون منه التوجّه إلى بلادهم ليبايعوه بالخلافة، لأنه أولى من غيره، فإنه ابن رسول الله وسبطه، والمنصوص عليه بالإمامة من جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لقوله: (الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا).
أي سواء قاما بأعباء الخلافة أو غُصبتْ عنهما.
إلى أن اجتمع عند الحسين إثنا عشر ألف كتاب من أهل العراق وكلّها مضمون واحد، كتبوا إليه: قد أينعتِ الثمار واخضرّ الجناب، وإنما تقدم على جندٍ لك مجنّدة، إن لك في الكوفة مائة ألف سيف، إذا لم تقدم إلينا فإنا نخاصمك غداً بين يدي الله.
فأرسل الحسين ابن عمّه مسلم بن عقيل إلى الكوفة، فلمّا دخل مسلم الكوفة اجتمع الناس حوله وبايعوه لأنه سفير الحسين وممثّله فبايعه ثمانية عشر ألفاً أو أربعة وعشرون ألفاً.
وكتب مسلم إلى الحسين يخبره ببيعة الناس ويطلب منه التعجيل بالقدوم، فلما علم يزيد ذلك أرسل عبيد الله بن زياد إلى الكوفة، فدخل ابن زياد الكوفة وأرسل إلى رؤساء العشائر والقبائل يُهدّدهم بجيش الشام ويطمعهم.
فجعلوا يتفرّقون عن مسلم شيئاً فشيئاً، إلى أن بقي مسلم وحيداً، فأضافته امرأة فطوّقوا الدار التي كان فيها، وخرج مسلم، واشتعلت نار الحرب، وقتل مسلم منهم مقتلة عظيمة، وألقي عليه القبض يوم عرفة وضربوا عنقه، وجعلوا يسحبونه في الأسواق والحبل في رجليه.
خروج الإمام الحسين (عليه السلام) من مكة : وخرج الحسين من مكة نحو العراق يوم الثامن من ذي الحجة، ومنعه جماعة من التوجه نحو العراق وأحدهم عبد الله بن العباس (حَبْر الأمّة) فقال له الحسين: يابن عباس: إن رسول الله أمرني بأمرٍ أنا ماضٍ فيه.
فقال: بماذا أمرك جدّك؟
فقال الحسين: أتاني جدّي في المنام وقال: يا حسين أخرج إلى العراق فإن الله شاء أن يراك قتيلا.
فقال ابن عباس: إذن فما معنى حملُك هؤلاء النساء معك؟
فقال الحسين: هنّ ودائع رسول الله ولا آمنُ عليهنّ أحدا، وهنّ أيضاً لا يُفارقنني.
وخرج الحسين قاصداً الكوفة، وفي أثناء الطريق التقى به سريّة من الجيش تتكوّن من ألف فارس بقيادة الحرّ بن يزيد الرياحي، وأرادوا إلقاء القبض على الحسين وإدخاله الكوفة على ابن زياد، إلا أن الحسين امتنع من الانقياد لهم، فتمّ القرار على أن يسلك الحسين طريقاً لا يدخله الكوفة ولا يردّه إلى المدينة، فوصل إلى ارض كربلاء فنزل فيها.
وقام ابن زياد خطيباً في الكوفة وقال: من يأتيني براس الحسين فله الجائزة العظمى، وأعطه ولاية ملك الرّي عشر سنوات. فقام عمر بن سعد بن أبي وقاص وقال: أنا.
فعقد له رايةً في أربعة آلاف رجل، واصبح الصباح، وأولُ راية سارتْ نحو كربلاء راية عمر بن سعد، ولم تزل الرايات تترى حتى تكاملوا في اليوم التاسع من المحرم ثلاثين ألفاً أو خمسين ألفاً أو أكثر من ذلك.
وحالوا بين الحسين وأهل بيته وبين ماء الفرات من اليوم السابع من المحرم، ولما كان اليوم التاسع اشتدّ بهم العطش، واشتدّ الأمر بالمراضع والأطفال الرضّع.
قالت سكينة بنت الحسين: عزّ ماؤنا ليلة التاسع من المحرّم فجفّت الأواني ويبست الشفاه حتى صرنا نتوقّع الجرعة من الماء فلم نجدها، فقلت في نفسي أمضي إلى عمّتي زينب لعلّها ادّخرت لنا شيئاً من الماء، فمضيتُ إلى خيمتها فرأيتها جالسة وفي حجرها أخي عبد الله الرضيع وهو يلوك بلسانه من شدّة العطش وهي تارة تقوم وتارة تقعد، فخفقتني العبرة فلزمتُ السكوت، فقالت عمتي: ما يُبكيك؟ قالت: حال أخي الرضيع أبكاني، ثم قلت: عمتاه قومي لنمضي إلى خيم عمومتي لعلّهم ادّخروا شيئاً من الماء، فمضينا واخترقنا الخيم بأجمعها فلم نجد عندهم شيئاً من الماء، فرجعت عمّتي إلى خيمتها فتبعتها وتبعنا من نحو عشرين صبياً وصبيّة، وهم يطلبون منها الماء وينادون: العطش.. العطش.
وآخر راية وصلت إلى كربلاء راية شمر بن ذي الجوشن في ستة آلاف مساء يوم التاسع، ومعه كتاب من ابن زياد إلى ابن سعد، فيه: فإن نزل الحسين وأصحابه على حكمي واستسلموا فابعث بهم إليّ سلما، وإن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم، فإن قتلت حسيناً فأوطئ الخيل صدره وظهره... إلى آخره.
فزحف الجيش نحو خيام الحسين عند المساء بعد العصر، واقترب نحو خيم الحسين، والحسين جالس أمام خيمته، إذ خفق برأسه على ركبتيه، وسمعت أخته زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين الصيحة فدنت من أخيها وقالت: يا أخي أما تسمع هذه الأصوات قد اقتربت؟
فرفع الحسين رأسه وقال: أخيّة: أتى رسول الله الساعة في المنام فقال لي: إنك تروح إلينا.
فلطمتْ أخته وجهها وصاحت: واويلاه، فقال لها الحسين: ليس الويل لك يا أخيّة، ولا تُشمتي القوم بنا، اسكتي رحمك الله. فقال له العباس بن عليّ: يا أخي قد أتاك القوم فانهض.
فنهض ثم قال: يا عباس اركب ـ بنفسي أنت ـ يا أخي حتى تلقاهم وتقول لهم: ما لكم وما بدا لكم؟ وما تريدون؟
فأتاهم العباس في نحو عشرين فارساً، فقال لهم العباس: ما بدا لكم وما تريدون؟
قالوا: قد جاء أمر الأمير أن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه أو نناجزكم.
فرجع العباس إلى الحسين وأخبره بمقال القوم، فقال الحسين: ارجع إليهم، فإن استطعت أن تؤخّرهم إلى غد، وتدفعهم عنّا العشيّة لعلّنا نُصلّي لربّنا الليلة، وندعوه ونستغفره، فهو يعلم أني قد كنت أحبّ الصلاة له وتلاوة كتابه.
فمضى العباس إلى القوم وسألهم ذلك، فأبوا أن يمهلوهم، فقال عمرو بن الحجاج الزبيدي: ويلكم والله لو أنهم من الترك والديلم وسألونا مثل ذلك لأجبناهم فكيف وهم آل محمد؟!
وبات الإمام الحسين وأصحابه وأهل بيته ليلة عاشوراء، ولهم دويٌّ كدويّ النحل، ما بين قائم وقاعد وراكع وساجد.
فخطب الإمام الحسين (عليه السلام) خطبة لإصحابه عن المآسي التي ستحدث وانهم ملاقون الموت وخيرهم الإمام بالقتال أم الرجوع فمنهم من بقى ومنهم من رحل.